الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
: هذه الرحبة قريبة من رحبة باب اللوق في بحري منشأة الجوّانية شارعة في الطريق العظمي المسلوك فيها من رحبة باب اللوق إلى قنطرة الدكة ويتوصل إليها السالك من عدّة جهات وكانت هذه الرحبة قديمًا تقف بها الجمال بأحمال التبن لتباع هناك ثم أختطت وعمرت وصارت بها سيوقة كبيرة عامرة بأصناف المأكولات والخط إنما يُعرف برحبة التبن وقد خرب بعد سنة ست وثمانمائة. رحبة الناصرية: هذه الرحبة كانت فيما بين الميدان السلطانيّ والبركة الناصرية أيام كانت تلك الخطة عامرة وكان يتفق في ليالي أيام ركوب السلطان إلى الميدان في كل سن من الاجتماع والإنس ما ستقف على بعض وصفه عند ذكر المنتزهات إن شاء الله تعالى. وقد خربت الأماكن التي كانت هناك وجهلت هذه الربة إلاّ عند القليل من الناس. رحبة ارغون ازكه: والعامة تقول رحبة أزكي بياء وهي رحبة كبيرة بالقرب من البركة الناصرية وهذه الرحبة وما حولها من جملة بستان الزهريّ الآتي ذكره إن شاء الله في الأحكار وعرفت بالأمير ارغون أزكي. ذكر الدور قال ابن سيدة الدار: المحل يجمع البناء والعرصة التي هي من داريدور لكثرة حركات الناس فيها والجمع أدور وأدؤر وديارة وديارات وديران ودور ودورات والدارة لغة في الدار والدار البلد والبيت من الشعر ما زاد على طريقة واحدة. وهو مذكر يقع على الصغير والكبير. وقد يقال للمبنيّ والبيت أخص من غير الأبنية التي هي الأخبية بيت وجمع البيت أبيات وأباييت وبيوت وبيوتات والبيت أخر من الدار فكلّ دار بيت ولا ينعكس. ولم تكن العرب تعرف البيت إلاّ الخباء ثم لما من سكنوا القرى والأمصار وبنوا بالمدر واللبن سموا منازلهم التي سكنوها دورًا وبيوتًا وكانت الفرس لا تبيح شريف البنيان كما لا تبيح شريف الأسماء إلاّ لأهل البيوتات كصنيعهم في النواويس والحمامات والقباب الخضر والشرف على حيطان الدار وكالقعد على الدهليز. دار الأحمدي هذه الدار من جملة حارة بهاء الدين وبها مشترف عال فوق بدنة من بدنات سور القاهرة ينظر منه أرض الطبالة وخارج باب الفتوح وهي إحدى الدور الشهيرة عرفت بالأمير بيبرس بيبرس الأحمدي ركن الدين أمير جاندار تنقل في الخدم أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أن صار أمير جاندار أحد المقدّمين فلما مات الملك الناصر قوي عزم قوصون على إقامة الملك المنصور أبي بكر بعد أبيه وخالف بشتاك فلما نسب المنصور إلى اللعب حضر لى باب القصر بقلعة الجبل وقال: أيّ شيء هذا اللعب فلما ولي الناصر أحمد أخرجه لنيابة صفد فأقام بها مدة ثم أحسن من الناصر أحمد بسوء فخرج من صفد بعسكره إلى دمشق وليس بها نائب فهمّ الأمراء بإمساكه ثم أخروا ذلك وأرسلوا إليه الإقامة فقدم البريد من الغد بإمساكه فكتب الأمراء من دمشق إلى السلطان يشفعون فيه فعاد الجواب بأنه لا بدّ من القبض عليه ونهب ماله وقطع رأسه وإرساله فأبوا من ذلك وخلعوا الطاعة وشقوا العصا جميعًا فلم يكن بأسرع من ورود الخبر من مصر بخلع الناصر أحمد وإقامة الصالح إسماعيل في الملك بدله والأحمدّي مقيم بصر تنكز من دمشق فورد عليه مرسوم بنيابة طرابلس فتوجه إليها واقام بها نحو الشهرين ثم طلب إلى مصر فسار إليها وأُخرج لمحاصرة أحمد بالكرك فحصره مدّة ولم ينل منه شيئًا ثم عاد إلى القاهرة فأقام بها حتى مات في يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم سنة ست وأربعين وسبعمائة وله من العمر نحو الثمانين سنة وكان أحد الأبطال الموصوفين بقوّة النفس وشدّة العزم ومحبة الفقراء وإيثار الصالحين وله مماليك قد عرفوا بالشجاعة والنجدة وكان ممن يقتدي برأيه وتتبع آثاره لمعرفته بالأيام والوقائع وما برحت ذريته بهذه الدار إلى الآن وأظنها موقوفة عليهم. دار قراسنقر هذه الدار برأس حارة بها الدين أنشأها الأمير شمس الدين قراسنقر وبها كان سكنه وهي إحدى الدور الجليلة ووجد بها في سنة أثنتي عشرة وسبعمائة لما أحيد بها اثنا وثلاثون ألف ألف دينار ومائة ألف وخمسون ألف درهم فضة وسروج مذهبة وغير ذلك فحمل الجميع إلى بيت المال ولم تزل جارية في أوقاف المدرسة القراسنقرية إلى أن اغتصبها الأمير جمال الدين يوسف الاستدار فيما اغتصب من الأوقاف وجعلها وقفًا على مدرسته التي أنشأها برحبة باب العيد فلما قتله الملك الناصر فرج بن برقوق وارتجع جميع ما خلفه وصار في جملة الأموال السلطانية ثم أفرد من الأوقاف التي جعلها جمال الدين على مدرسته شيئًا وجعل باقيها لأولاده وعلى تربته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق بالصحراء تحت الجبل خارج باب النصر فلما قتل الملك الناصر فرج صارت هذه الدار بيد الأمير طوغان الدوادار وكانوا كسارق من سارق وما من قتيل يقتل إلاّ وعلى ابن آدم الأوّل كفل منه لأنه أوّل من سنّ القتل. دار البلقيني هذه الدار تجاه مدرسة شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني من حارة بهاء الدين أنشأها قاضي العساكر بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ الشافعيّ. ومات في يوم الخميس لست بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ولم تكمل فاشتراها أخوه قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام وكمّلها وبها الآن سكنه وهي من أجلّ دور القاهرة صورة ومعنا وقد ذَكرتُ الأخوين وأبيهما في كتابي المنعوت بدرر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة فأنظر هناك أخبارهم. دار منكوتمر هذه الدار بحارة بهاء الدين بجوار المدرسة المنكوتمرية أنشأها المير منكوتمر نائب السلطنة بجوار مدرسته الآتي ذكرها عند ذكر المدارس إن شاء الله تعالى وهي من الدور الجليلة وبها إلى اليوم بعض ذريته وهي وقف. دار المظفر هذه الدار كانت بحارة برجوان أنشأها أمير الجيوش بدر الجمالي إلى أن مات فلما ولي الوزارة من بعده ابنه الأفضل بن أمير الجيوش وسكن دار القباب التي عرفت بدار الوزارة وتقدّم ذكرها صار أخوه المظفر أبو محمد جعفر بن أمير الجيوش بهذه الدار فعرفت به وقيل لها دار المظفر وصارت من بعده دار الضيافة كما مرّ في هذا الكتاب. وآخر ما أعرفه كانت ربعًا وحمّامًا وخرائب فسقط الرابع بعد سنة سبعين وسبعمائة وكانت الحمام قد خربت قبل ذلك فلم تزل خرابًا إلى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فشرع قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسيّ الحنفيّ في عمارتها فلما حفر اساس جداره القبليّ ظهر تحت الردم عتبة عظيمة من حجر صوّان مانع يشبه أن يكون عتبة دار المظفر وكان الأمير جهاركس الخليليّ إذ ذاك يتولى عمارة المدرسة التي أنشأها الملك الظاهر برقوق بخط بين القصرين فبعث بالرجال لهذه العتبة وتكاثروا على جرّها إلى العمارة فجعلها في المزمّلة التي تشرب منها الناس الماء بدهليز المدرسة الظاهرية وكمّل قاضي القضاة شمس الدين بناء داره وحيث كانت دار المظفر فجاءت من أحسن دور القاهرة وتحوّل إليها بأهله وما زال فيها حتى مات بها وهو متقلد وظيفة قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية في ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة وله من العمر سبعون سنة وأشهر ومولده بطرابلس الشام وأخذ الفقه على مذهب أبي حنيفة رحمه الله عن جماعة من أهل طرابلس. ثم خرج منها إلى دمشق فقرًا على صدر الدين محمد بن منصور الحنفيّ ووصل إلى القاهرة وقاضي الحنفية بها قاضي القضاة جمال الدين عبد الله التركمانيّ فلازمه وولاّه العقود وأجلسه ببعض حوانيت الشهود فتكسب ممن تحمل الشهادة مدّة. وقرأ على قاضي القضاة سراج الهدى ولازمه فولًاه نيابة القضاء بالشارع فباشرها مباشرة مشكورة وأجازه العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفيذ بالإفتاء والتدريس فلما مات صدر الدين بن منصور قلده الملك الظاهر برقوق قضاء القضاة مكانه في يوم الاثنين ثاني عشرى شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين وسبعمائة فباشر القضاء بعفة وصيانة وقوّة في الأحكام لها النهاية ومهابة وحرمة وصولة تذعن لها الخاصة والعامّة إلى أن صُرف في سابع عشر رمضان سنة أحدى وتسعين وسبعمائة بشيخنا قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم التركمانيّ فلم يزل إلى أن عزل مجد الدين ووليَ من بعده قاضي القضاة وناظر الجيوش جمال الدين محمود القيصريّ وهو ملازم داره وما بيده من التدريس وهو على حال حسنة وتجلد من الكافة إلى أن استدعها السلطان في يوم الثلاثاء تاسع شهر ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين وسبعمائة فقلّده وظيفة القضاء عوضًا عن محمود القيصري فلم يزل حتى مات من عامه رحمه الله تعالى وهذه الدار على يسرة من سلك من باب حارة برجوان طالبًا المسجد المسمة بجعفر وما الحمّام فإنها ي مكانها اليوم ساحة بجوار دار قاضي القضة شمس الدين ومن جملة حقوق دار المظفر رحبة دار ابن عبد العزيز هذه الدار بحارة برجوان على يمنة من سلك من باب الحارة طالبًا حمذام الرومي أيضًا من جملة دار المظفر كانت طاحونا ثم خربت فابتدأ عمارتها فخر الدين أبو جعفر محمد بن عبد اللطيف بن الكويك ناظر الأحباس ومات ولم تكمل فصارت لامرأته وابنة عمه خديجة فماتت في رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة وقد تزوّجت من بعده بالقاضي الرئيس بدر الدين حسن عبد العزيز بن عبد الكريم ابن أبي طالب بن علي بن عبد الله بن سيدهم النجميّ السيرواني فانتقلت إليه ومات في سنة أربع وسبعين وسبعمائة في العشرين من جمادى الأولى وورثه من بعد موته كريم الدين ابن أخيه. وهو عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن عليّ بن عبد الله بن سيدهم ومات آخر ربيع الأوّل سنة سبع وثمانمائة عن سبعين سنة وولي نظر الجيوش بديار مصر للظهار برقوق فباعها لقريبه شمس الدين محمد بن عبد الله بن عبد العزيز وكملها وسكنها مدّة طويلة إلى أن باعها في سنة خمس وتسعين وسبعمائة بألفي دينار ذهبًا لخوند فاطمة ابنة الأمير منجك فوقفتها على عتقائها وهي إلى اليوم بيدهم وتعرف ببيت ابن عبد العزيز المذكور لطول سكنه بها وكان خيِّرًا عارفًا يلي كتابة ديوان الجيش وعدّة مباشرات ومات ليلة الثاني عشر من صفر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. دار الجمقدار هذه الدار على يسرة من سلك من باب حارة برجوان تحت القبو طالبًا حمام الرومي عرفت بالأمير علم الدين سنجر الجمقدار من الأمراء البرجية وقدّمه الملك الناصر محمد تقدمة ألف بعد مجيئه من الكرك إلى مصر ثم أخرجه إلى الشام فأقام بها إلى أن حضر قطلوبغا الفخريّ في نوبة أحمد بالكرك فحضر معهم واستقرّ من الأمراء بالديار المصرية إلى أن مات يوم الجمعة تاسع رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة وقد كبر وارتعش وكان روميًا ألثغ صار لخالد بن الزراد المقدّم فلما قبض عليه ومات في ثاني عشرى جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة تحت المقارع ارتُجعت عنه لديوان السلطان حسن فصارت في يد ورثته إلى أن باع بعض أولاده اسهمًا منها فاشتراها الأمير سودون الشيخوني نائب السلطنة ثم تنقلت وبعضها وقف بيد أولاد السلطان حسن بن محمد بن قلاوون إلى أن ملك ما تملك منها بالشراء قاضي القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي وسكنها إلى أن سافر فصارت من بعده لورثته دار أقوش الرومي بحارة برجوان هذه الدار من أجلّ دور القاهرة وبابها من نحاس بديع الصنعة يشبه باب المارستان المنصوري وكان تجاهها اصطبل كبير يعلوه ربع فيه عدّة مساكن عرفت بالأمير جمال الدين أقوش الرومي السلاح دار الناصري وتوفي سنة سبع وسبعمائة وهي مما وقفه على تربته بالقرافة وقد خرب اصطبلها وعلوه وبيع نقض ذلك وتداعت الدار أيضًا للسقوط فبيت انقاضًا وصارت من جملة الأملاك. دار بنت السعيدي هذه الدار بحارة برجوان عرفت بقاعة حنيفة بنت السعيدي إلى أن اشتراها شهاب الدين أحمد بن طوغان دوادار الأمير سودون الشيخوني نائب السلطان في سنة تسع وتسعين وسبعمائة فأخذ عدّة مساكن مما حولها وهدمها وصيرها ساحة بها فصارت من أعظم الدور اتساعًا وزخرفة وفيها آبار سبعة معينة وفسقية ينقل إليها الماء بساقية على فوهة بئر وما زال صاحبها شهاب الدين فيها إلى أن سافر إلى الاسكندرية في محرّم سنة ثمان وثمانمائة فمات رحمه الله وانتقلت من بعده لغير واحد بالبيع. هذه الدار فيما بين الخرشتف وحارة برجوان كان مكانها من جملة الميدان وكان يسلك من حارة برجوان في طريق شارعه إلى باب الكافوريّ فلما عمر الأمير بكتمر هذه الدار جعل اصطبلها حيث كانت الطريق وركّب بابًا بخوجة مما يلي حارة برجوا واشترط عليه الناس أن لا يمنع المارّة من سلوك هذا المكان فوفى بما اشترط وما برح الناس يمرّون من هذا الطريق في وسط الاصطبل على باب داره سالكين من حارة برجوان إلى الكافوري والخرشتف ومنها إلى حارة برجوان وأنا سلكت من هذه الطريق غير مرّة وكان يقال لها خوخة الحاجب ثم لما طال الأمد وذهبت المشيخة نسيت هذه الطريق وقفل الباب وانقطع سلوك الناس منه وصارت تلك الطريق من جملة حقوق الدار وما برحت هذه الدار ينصب على بابها الطوارق دائمًا كما كانت عادة دور الأمراء في الزمن القديم فلما تيغرت الرسوم وبطل ذلك قلعت الطوارق من جانبي الباب. وأعلى اسكفته وباب هذه الدار تجاه باب الكافوريّ وعرفت بالأمير سيف الدين بكتمر الحاجب صاحب الدار خارج باب النصر والمدرسة بجواره ثم حل وقفها سنة ثمان وعشرين وثمانمائة وبيعت كما بيت غيرها من الأوقاف. وهناك ترى ترجمته. هذه الدار بخط الكافوري كانت للأمير ايبك البغدادي وهي من أجلّ دور القاهرة وأعظمها انشأها الأمير تنكز نائب الشام وأظنه أوقفها في جملة ما أوقف وكان بها ولده وسكنها قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة فأنفق في زخرفها على ما أشيع سبعة عشر ألف درهم عنها يومئذ ما ينيف عن سبعمائة دينار مصرية ولم تزل هذه الدار وقفًا إلى أن بيعت على أنها ملك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بدون ألف دينار لزين الدين عبد الباسط بن خليل فجدّد بناءها وبنى تجاهها جامعة. تنكز الأشرفي سيف الدين أبو سعيد خليل جلبه إلى مصر وهو صغير الخواجا علاء الدين السوسيّ فنشأ بها عند الملك الأشرف خليل بن قلاوون فلما ملك السلطان الناصر محمد بن قلاوون أمّره أمرة عشرة قبل توجهه إلى الكرك وسافر معه إلى الكرك وترسل عنه منها إلى الأفرم فاتهمه أنّ معه كتبا إلى الأمراء بالشام وعرض عليه العقوبة فارتجف منه وعاد إلى الناصر. فقال له: إن عدت إلى الملك فانت نائب دمشق فلما عاد إلى الملك جهزه إلى دمشق فوصلها في العشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فباشر النيابة وتمكن فيها وسار بالعساكر إلى ملطية وافتتحها في محرّم سنة خمس عشرة وعظم شأنه وأمّن الرعايا حتى لم يكن أحد من الأمراء يظلم ذمّيا فضلًا عن مسلم خوفًا من بطشه وشدّة عقوبته وكان السلطان لا يفعل شيئًا بمصر إلاّ ويشاوره فيه وهو بالشام وقدم غير مرّة على السلطان فاكرمه وأجله بحيث أنه انعم عليه في قدومه إلى مصر سنة ثلاث وثلاثين بما مبلغه ألف ألف درهم وخمسون ألف درهم عنها خمسون ألف دينار ونيف سوى الخيل وزادت أملاكه وسعادته وأنشأ جامعًا بدمشق بديع الوصف بهج الزي وعدّة مواضع وكان الناس في أيامه قد أمنوا كل سوء إلاّ أنه كان يتخيل خيالًا فيتحدّ خلقه ويشتدّ غضبه فهلك بذلك كثير من الناس ولا يقدر أحد أن يوضح له الصواب لشدّة هيبته وكان إذا أغضب لا يرضى ألبتة بوجه وإذا بطش كان بطشه الجبارين ويكون الذنب صغيرًا فلا يزال يكبره حتى يخرج في عقوبة فاعلة عن الحدّ ولم يزل إلى أن أشيع بدمشق أنه يريد العبور إلى بلاد الططر فبلغ ذلك السلطان فتنكر له وجهز إليه من قبض عليه في ثالث عشري ذي الحجة سنة أربعين وأحيط بماله وقدم الأمير بشتاك إلى دمشق لقبضه وخرج إلى مصر ومعه من مال تنكز وهو من الذهب العين ثلاثمائة ألف وستة وثلاثون ألف دينار ومن الدراهم الفضة ألف ألف وخمسمائة ألف دره ومن الجوهر واللؤلؤ والزركش والقماش ثماثمائة حمل ثم استخرج بعد ذلك من بقايا أمواله أربعون ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم فلما وصل تنكز إلى قلعة الجبل جهز إلى السكندرية واعتقل فيها نحو الشهر وقتل في محتبسه ودفن بها يوم الثلاثاء حادي عشري المحرّم سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ومن الغريب أنه أمسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل السكندرية يوم الثلاثاء وقتل يوم الثلاثاء ثم نقل إلى دمشق فدفن بتربته جوار جامعه ليلة الخامس من رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة بعد ثلاث سنين ونصف بشفاعة ابنته. دار أمير مسعود هذه الدار بآخر خط الكافوريّ عرفت بالأمير بدر الدين مسعود بن خطير الرومي أحد الأمراء بمصر أخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون في ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة إلى نيابة غزة ثم نقل منها إلى إمرة دمشق وولي نيابة طرابلس ثم أعيد إلى دمشق وأصله من أتباع الأمير تنكز فشكره عند الملك الناصر وقدّمه حتى صار أميرًا حاجبًا فلما قتل تنكز أخرجه لنيابة غزة وتنقل في نيابة طرابلس ثلاث مرات إلى أن استعفى من النيابة فأنعم عليه بأمرة في دمشق وعلى ولديه بامرة طبلخانة ومازال مقيمًا بها حتى مات في سابع شوال سنة أربع وخمسين وسبعمائة بدمشق ومولده بها ليلة السبت سابع جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وستمائة. دار نائب الكرك هذه الدار فيما بين خط الخرشتف وخط باب سر المارستان المنصوري وهي من جملة أرض الميدان عرفت بالأمير أقوش الأشرفيّ المعروف بنائب الكرك صاحب الجامع. أقوش الأشرفي: جمال الدين ولاّه الملك الناصر محمد بن قلاون نيابة دمشق بعد مجيئه من الكرك وعزله تنكز بعد قليل واعتقله إلى شهر رجب سنة خمس عشرة وسبعمائة ثم أفرج عنه وجعله رأس الميمنة وصار يقوم له إذا قدم مميزًا له عن غير من الأمراء وكان لا يلبس مصقولًا ويمشي من داره هذه إلى الحمّام وهو حامل المئزر والطاسة وحده فيدخل الحمام ويخرج عريانًا فاتفق مرة أنّ رجلًا رآه فعرفه وأخذ الحجر وحك رجله وغسله وهو لا يكلمه كلمة واحدة فلما خرج وصار إلى داره طلب الرجل وضربه وقال له: أنا مالي مملوك ما عندي غلام مالي طاسة حتى تتجرأ عليّ أنت وكان يتوجه إلى معبد له في الجبل الأحمر وينفرد فيه وحده اليومين والثلاثة ويدخل منه إلى القاهرة وهو ماش وذيله على كتفه حتى يصل إلى دار ن وباشر نظر المارستان المنصوري مباشرة جيدة ثم أخرجه السلطان إلى نيابة طرابلس في أوّل سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فأقام بها ثم طلب الإقالة فأعفى وقبض عليه واعتقل بقلعة دمشق ثم نقل منها إلى صفد فحبس بها في برج ثم أخرج منها إلى الإسكندرية فمات بها معتقلًا في سنة ست وثلاثين وسبعمائة. وكان عسوفًا جبارًان في بطشه مات عدّة من الناس تحت الضرب قدّامه وكان كريمًا سمحًا إلى الغاية وعرف بنائب الكرك لأنه أقام في نيابتها من سنة تسعين وستمائة إلى سنة تسع وسبعمائة. هذه الدار من جملة الميدان وهي اليوم من خط باب سرّ المارستان المنصوري أنشأها علاء الدين بن نجم الدين عبد الواحد بن شرف الدين محمد بن صغير رئيس الأطباء ومات بحلب عندما توجه إليها في خدمة الملك الظاهر برقوق في يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين وسبعمائة. ودفن بها ثم نقلته ابنته إلى القاهرة ودفنته بظاهرها. دار بيبرس الحاجب هذه الدار بخط حارة العدوية وهي الان من خط باب سر المارستان عرفت بالأمير بيبرس الحاجب صاحب غيط الحاجب فيما بين جسر بركة الرطلي والجرف. بيبرس الحاجب: الأمير ركن الدين ترقى في الخدم إلى أن صار أميراخور فلما حضر الملك الناصر من الكلك عزله بالأمير ايدغمش وعمله حاجبًا وناب في الغيبة عن الأمير تنكز بدمشق لما حج ثم تجرّد إلى اليمن وعاد فتنكر عليه السلطان وحبسه في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وسبعمائة وأفرج عنه في رجب سنة خمس وثلاثين وجهزه من الإسكندرية إلى حلب فصار بها أميرًا من أمرائها ثم تنقل منها إلى أمره بدمشق بعد عزل تنكز فلم يزل بها إلى إن توجه الفخريّ وطشتمر إلى مصر فأقرّه على نيابة الغيبة بدمشق وكان قد أسنّ ومات في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وأدركنا له حفيدًا يُعرف بعلاء الدين أمير عليّ بن شهاب الدين أحمد بن بيبرس الحاجب قرأ القراءات السبع على والده وكان حسن الأداء للقراءة مشهورًا بالعلاج يعالج بمائة وعشرة أرطال مات وهو ساح في سابع ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة. دار عباس: هذه الدار كانت في درب شمس الدولة عرفت بالوزير عباس بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس أصله من المغرب وترقى في الخدم حتى ولي الغربية ولقد بالأمير ركن الإسلام وكانت أمّه تحت الأمير المظفر عليّ بن السلار والي البحيراء والإسكندرية فلمارحل عليّ بن السلار إلى القاهرة وأزال الوزير نجم الدين سليمان بن مصال من الوزارة واستقرّ مكانه في وزارة الخليفة الظافر بأمر الله وتلقب العادل قدّمه لمحاربة ابن مصال فلم ينل غرضًا فخرج إليه عباس حتى ظفر به وولى ناصر الدين نصير بن عباس ولاية مصر بشفاعة جدّته أمّ عباس فاختص به الخليفة الظافر واشتغل به عمن سواه وكان جريًا مقدامًا فخرج إليه أبو عباس بالعسكر لحفظ عسقلان من الفرنج ومعه من الأمراء ملهم والضرغام وأسامة بن منقذ وكان أسامة خصيصًا بعباس فلما نزلوا بلبيس تذاكر عباس وأسامة مصر وطيبها وما هم خارجون إليه من مقاساة السفر ولقاء العدوّ فتأوّه عباس أسفًا على مفارقة لذّاته بمصر وأخذ يشرب على العادل بن السلار فقال له أسامة: لو أردت كنت أنت سلطان مصر. فقال: كيف لي بذلك قال: هذا ولدك ناصر الدين بينه وبين الخليفة مودّة عظيمة فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع زوج أمّك فإنه يُحبك ويكرهه فإذا أجابك فاقتله وصر في منزلته فأعجب عباس ذلك وجهز ابنه لتقرير ما أشار به أسامة فسار إلى القاهرة ودخلها على حين غفلة من العادل واجتمع بالخليفة وفاوضه فيما تقرّر فأجابه إليه ونزل إلى دار جدّته وكان من قتله للعادل عليّ بن سلار ما كان فماج الناس وسرح الطائر من القصر إلى عباس وهو على بلبيس في الانتظار فقام من فوره ودخل القاهرة سحر يوم الأحد ثاني عشر المحرّم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فوجد عدّة من الأتراك قد نفروا وخرجوا يدًا واحدة إلى الشام فصار إلى القصر وخلع عليه خلع الوزارة فباشر الأمور وضبط الأحوال وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد وازدادت مخالطة ولده للخليفة فخاف أن يقتله كما قتل ابن السلار فما زال به حتى قتل الخليفة الظافر كما تقدّم ذكره وصار إلى القصر على العادة فلما جلس في مقطع الوزارة سأل الاجتماع على الخليفة فدخل الزمام إلى 6 ور الحرم فلم يجد الخليفة فلما عاد إليه أحضر أخوي الظافر واتهمهما بقتله وقتلهما قدّامه واستدعى بولد الظافر عيسى ولقبه بالفائز بنصر الله وكثرت النياحة على الظافر وبحث أهل القصر على كيفية قتله فكتبوا إلى طلائع بن رزبك وهو والي الأشمونين يستدعونه فحشد وسار فاضطرب عباس وكثرت مناكدة أهل القاهرة له حتى أنّه مرّ يومًا فَرُمي من طاقة تشرف على شارع بقدر مملوء طعامًا حارًّا فعوّل على الفرار وخرج ومعه ابنه وأسامة بن منقذ وجميع ما لهم من أتباع ومال وسلاح ودخل طلائع إلى القاهرة واستقرّ في وزارة الخليفة الفائز فسير أهل القصر إلى الفرنج البريد بطلب عباس فخرجوا إليه وكانت بينهم وبينه وقعة فرّ فيها أسامة في جماعة إلى الشام فظفر به الفرنج وقتلوه وأخذوا ابنه في قفص من حديد وجهزوه إلى القاهرة وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وخمسمائة فلما وصل ابنه إلى القصر قُتل وصُلب على باب زويلة وأحرق بعد ذلك ثم عرفت هذه الدار بعد ذلك بدار تقيّ الدين صاحب حماه ثم خربت وكر مكانها فصار يعرف بحكر صاحب حماه وبني فيه عدّة دور وموضعها الآن بداخل درب شمس الدولة بالقرب من حمّام عباس التي تعرف اليوم بحمام الكويك. دار ابن فضل الله: هذه الدار فيما بين حارة زويلة والبندقانيين كان موضعها من نجملة اصطبل الجميزة عرفت بابن فضل الله: وبنو فضل الله جماعة أوّلهم بمصر. شرف الدين: عبد الوهاب بن الصاحب جمال الدين أبي المآثر فضل الله ابن الأمير عز الدين الحلي بن دعجان العمريّ ولي كتابة السرّ للملك الناصر محمد بن قلاون ثم صرفه عنها وولاه كتابة السرّ بدمشق فلم يزل بها حتى مات في ثالث شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة وقد عمر وبلغ أربعًا وتسعين سنة وخلّف أموالًا جمة ورثاه الشهاب محمود وقد وليّ بعده وأرثاه علاء الدين عليّ بن غانم والجمال ابن نباتة وكان فاضلًا بارعًا أديبًا عاقلًا وقورًا ناهضًا ثقة أمينًا مشكورًا مليح الخط جيد الإنشاء حدّث عن الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وغيره. ومنهم محيي الدين: يحيى بن الصاحب جمال الدين أبي المآثر فضل الله بن مجلي بن دعجان بن خلف بن نصر بن منصور بن عبد الله بن عليّ بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدويّ المريّ ولي كتابة السرّ بالديار المصرية عن الملك الناصر نقل إليها من كتابة سرّ دمشق لما مرض علاء الدين باستدعائه إلى مصر وأقيم بدله في كتابة سرّ دمشق شرف الدين أبو بكر بن الشهاب محمود وكان استقراره في محرّم سنة ثلاثين وسبعمائة فباشرها إلى ثاني عشر شعبان سنة اثنتين وثلاثين ونقل منها إلى كتابة السرّ بدمشق وطلب شرف الدين بن الشهاب محمود فاستقرّ في كتابة السرّ بمصر إلى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وطلب محيي الدين من دمشق هو وابنه شهاب الدين أحمد فوصلا إلى القاهرة غرّة جمادى الأولى وخلع عليهما ورسم لهما بكتابة السرّ ونقل ابن الشهاب محمود إلى كتابة السرّ بدمشق فلم يزل محيي الدين يباشر كتابة السرّ هو وابنه إلى أن كان من تنكز السلطان لولده شهاب الدين ما كان وذلك أنه كان استعفى من الوظيفة لثقل سمعه وكبر سنه فأذن له أن يقيم ابنه القاضي شهاب الدين يباشر عنه فصار الإسم لمحيي الدين والمباشر ابنه شهاب الدين إلى أن حر الأمير تنكز نائب الشام إلى القلعة وسأل السلطان في علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل المعروف بابن القطب أن يوليه كتابة السرّ بدمشق وكان السلطان لا يمنع تنكز شيئًا يسأله فخلع عليه وأقرّه في ذلك عوضًا عن جمال الدين عبد الله بن الأثير فأخذ شهاب الدين ينقصه عنه السلطان بأنه نصرانيّ الأصل وليس من أهل صناعة الإنشاء ونحو ذلك والسلطان مغض عنه غير ملتفت لى ما يرمى به رعاية لتنكز فلما كتب توقيع ابن القطب أراد تكثير الألقاب والزيادة له في المعلوم فامتنع شهاب الدين من كتابة ذلك وكان حادّ المزاج قويّ النفس شرس الأخلاق ففاجأ السلطان بلغظة ومخاشنة في القول وكان من كلامه كيف تعمل قبطيًا أسلميًا كاتب السرّ وتزيد في معلومه وبالغ في الجراءة حتى قال ما يفلح من يخدمك وخِدْمَتُكَ عليّ حرام ونهض قائمًا لشدّة حنقه وكان هذا منه بحضرة الأمراء فغضبوا لذلك وهموا بضرب عنقه فأغضى السلطان عنه وبلغ محيي الدين ما كان من ابنه فبادر إلى السلطان وقبل الأرض واعترف بخطأ ابنه واعتذر عن تأخره بثقل سمعه فرسم له أن يكون ابنه علاء الدين عليّ يدخل ويقرأ البريد فاعتذر بأنه صغير لا يقوم بالوظيفة. فقال السلطان أن أربيه مثل ما أعرف فصار يخلف أباه كما كان شهاب الدين وانقطع شهاب الدين في منزله مدة سنين إلى أن مات أبوه محيي الدين في يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة عن ثلاث وتسعين سنة وهو متمتع بحواسه فدفن ظاهر القاهرة ثم نقل إلى تربتهم من سفح قاسيون بدمشق وكان صدرًا معظمًا رزينًا كامل السؤدد حركًا كاتبًا بارعًا دبر الأقاليم بكفايته وحسن سياسته ووفور عقله وأمانته وشدّة تحرّزه وله النظم والنثر البديع الرايق فمن شعره: تُضاحِكني ليلى فأحسب ثغرها سنا البرقِ لكنْ أين منه سنا البرقِ وأخفتْ نجومً الصبحِ حين تبسمتْ فقمتُ بفرعيها أشدّ على الشرقِ وقلتُ سواءَ جنحُ ليلٍ وشعرُها ولم أدر أنّ الصبحَ من جهة الفرقِ علاء الدين: علي بن يحيى بن فضل الله العمريّ استقل بوظيفة كتابة السرّ قبل موت أبيه محيي الدين وخلع عليه يوم الاثنين رابع شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وله من العمر أربع وعشرين سنة فخرج وفي خدمته الحاجب والدوادار وتقدّم أمر السلطان للموقعين بامتثال ما يأمرهم به عن السلطان فشق ذلك على أخيه شهاب الدين وحسده وربما قيل أنه سمّه فكان يعتريه دم منه إلى أن مات ثم إنه كتب قصة يسأل فيها السفر إلى الشام وشكال كثرة الكلفة وكان قبل ذلك جرى ذكره في مجلس السلطان فذمه وتهدّده فعدما قرئت عليه قصته تحرّك ما كان ساكنًا من غضبه ورسم بإيقاع الحوطة عليه فحُمل من داره إلى قاعة الصاحب من قلعة الجبل في رابع عشري شعبان سنة تسع وثلاثين وخرج إليه الأمير طاجار الدوادار وأمر به فعرّيّ من ثيابه ليضرب المقارع فرفق به لوم يضربه واستكتبه خطه بحلم عشرة آلاف فأحيط بداره وأخرج سائرا ما وجد له وبيع عليه وأُرسل مملوكه إلى بلاد الشام فباع كل ما له فيها واقترض خمسين ألف درهم حتى حمل من ذلك كله مائة وأربعين ألف درهم عنها سبعة آلاف دينار فسكن أمره وخف الطلب عنه وأقام إلى ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربعين مدّة سبعة أشهر وثمانية عشر يومًا ففرج الله عنه بأمر عجيب وهو أنّه لما كان يباشر عن ابيه وقع شخص من الكتاب بشيء زور فرسم السلطان بقطع يده وأمر به فسجن طول هذه السنين إلى أن قدّر الله سبحانه أنه رفع قصة يسأل فيها العفو عنه فلما قرئت على السلطان لم يعرفه فسال عن خبره وشأنه فقيل له لا يعرف خبر هذا إلا شهاب الدين بن فضل الله فبعث إليه بقاعة الصاحب يستخبره عنه فطالعه بقصته وما كان منه فألان الله له قلب السلطان ورسم بالإفراج عن الرجل وعن شهاب الدين وعن مملوكه ففرّج الله عن الثلاثة ونزل شهاب الدين إلى داره وأقام إلى أن قبض السلطان على الأمير تنكز نائب الشام فاستدعى شهاب الدين إلى حضرته وحلفه وولاه كتابة السرّ بدمشق عوضًا عن شرف الدين خالد بن نصر المخزوميّ المعروف بابن القيسرانيّ فباشرها حتى مات بدمشق وانفرد أخوه علاء الدين بكتابة السرّ إلى أن مات ليلة الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة بمنزله من القاهرة عن سبع وخمسين سنة وترك ستة بنين وأربع بنات.
|